تسعى المملكة المغربية بشكل مستمر إلى تعزيز قدراتها العسكرية وتكييفها مع جملة التحولات التي يشهدها مسار الحروب، التي باتت تعتمد على مزج الأساليب الحديثة والتقليدية لتحقيق التفوق الاستراتيجي وضمان الأمن والاستقرار في بيئة إقليمية معقدة مليئة بالتهديدات الأمنية التي تؤرق جيوش العديد من الدول.
في هذا الصدد، تأتي موافقة الخارجية الأمريكية على طلب تقدم به المغرب لاقتناء 600 صاروخ من طراز “FIM-92K Stinger Block I”، في صفقة تبلغ قيمتها حوالي 825 مليون دولار، حسب ما أفاد به بيان لوكالة التعاون الأمني الدفاعي (DSCA)، التابعة للبنتاغون، التي أعلنت أن “الصفقة تشمل أيضًا خدمات الدعم الفني واللوجستي والهندسي، إلى جانب عناصر أخرى ذات صلة بالدعم اللوجستي وبرامج التحديث”.
سلاح تكتيكي
قال عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، إن “توجه القوات المسلحة الملكية لاقتناء أكثر من 600 صاروخ أرض-جو من طراز FIM-92K Stinger Block I يكتسي أهمية كبرى بالنسبة للقدرات القتالية للجيش المغربي، خاصة في ما يتعلق باستهداف الأهداف قصيرة المدى أو تلك التي تحلق على مستويات منخفضة مثل المروحيات والطائرات المسيّرة”.
وأضاف مكاوي متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية في هذا الشأن أن “هذه الصواريخ أثبتت فعاليتها في العديد من ساحات الحروب في العالم، مثل العراق وأفغانستان”، مؤكدا أن “حصول المملكة على هذا السلاح سيدعم القدرات التكتيكية للجيش المغربي، وسيعزز من قدراته على حماية المجال الجوي الوطني، خاصة في ظل التحديات الأمنية القائمة في المنطقة”.
وأبرز الخبير العسكري ذاته أن “هذه الصواريخ المحمولة على الكتف التي وافقت الإدارة الأمريكية على بيعها لشريك قريب لها في شمال إفريقيا، تؤكد عمق الشراكة العسكرية بين البلدين والتزام أمريكا بتعزيز القدرات القتالية للقوات المسلحة الملكية التي تتوفر على منصات لوجستية تمكنها من إدماج هذا السلاح الجديد في بنيته القتالية”.
وأكد المصرح ذاته أن “طلب الرباط هذه الصواريخ الاستراتيجية يأتي في سياق رؤية مغربية شاملة لتطوير القدرات الدفاعية والهجومية للمؤسسة العسكرية لمواكبة مختلف تحولات مشهد التسلح في العالم وفي الجوار الإقليمي للمغرب”، معتبرا أن “تضمين الصفقة التي وافقت عليها إدارة دونالد ترامب خدمات التدريب والدعم اللوجستي والفني، يعزز القدرات الذاتية للجيش المغربي في مجال الصيانة”.
“الردع الرشيق”
يرى هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، أن “طلب المغرب شراء 600 صاروخ FIM-92K Stinger Block I لا يُعد مجرد صفقة تسليح تقليدية، بل مؤشراً دقيقاً على رغبة الرباط في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية ضمن ما يُعرف بـ ‘الطبقة التكتيكية السفلية’ للدفاع الجوي. ففي بيئة أمنية إقليمية متغيرة، حيث أصبحت الطائرات المسيّرة والصواريخ الجوالة أدوات مألوفة في النزاعات الحديثة، تمثل صواريخ Stinger وسيلة فعّالة، محمولة وخفيفة، للرد السريع على التهديدات الجوية قصيرة المدى”.
وأضاف معتضد أن “هذا التوجه ينسجم مع منطق ‘الردع الرشيق’ الذي بات يميز بعض استراتيجيات الدفاع المعاصرة، حيث تمنح الأنظمة المحمولة على الكتف، مثل Stinger، الجيوش مرونة عملياتية على مستوى الفرق والوحدات القتالية الصغيرة، وتقلل من الاعتماد الكامل على أنظمة الدفاع الجوي الثابتة أو الثقيلة. وفي السياق المغربي، يمكن إدماج هذه الصواريخ بسهولة في البيئة الجغرافية المتنوعة للبلاد، من سلاسل الأطلس إلى المناطق الصحراوية، ما يجعلها سلاحًا دفاعيًا متنقلًا وفعّالًا”.
وتابع المتحدث لهسبريس بأن “المغرب ينظر إلى هذا النوع من الصواريخ كركيزة لتعزيز قدراته في الحروب الهجينة. ومع تطوّر طبيعة التهديدات الإقليمية، لا سيما في مناطق الساحل والصحراء، حيث تتداخل الحركات غير النظامية مع التهديدات العابرة للحدود، أصبح من الضروري تزويد الجيش بأسلحة توفّر استجابة فورية في بيئات قتالية غير تقليدية”.
وأكد معتضد أن “هذه الصفقة تشكّل نقطة انطلاق لتطوير مظلة دفاعية متعددة الطبقات، ففي الوقت الذي طوّر فيه المغرب أنظمة رادارية وصاروخية متوسطة وبعيدة المدى، كان من الضروري تعزيز قدراته قصيرة المدى لاستكمال الهيكل الدفاعي المتكامل”، مبرزا أن “الصفقة تمثّل جزءا من تحوّل أعمق في النموذج القتالي المغربي، إذ تستثمر الرباط في الطائرات المسيّرة والرادارات المتطورة والقوات الخاصة، غير أنها لا تُهمل أيضا المقوّمات الأساسية للمعركة التقليدية، بل تقوم بتحديثها بما يتناسب مع روح العصر”.