قال عبد السلام بكرات، والي جهة العيون الساقية الحمراء، إن الزيارة التي يقوم بها وفد برلمان أمريكا الوسطى إلى مدينة العيون تعكس بوضوح المكانة المتنامية التي باتت تحتلها الأقاليم الجنوبية في محيطيها الجهوي والدولي، بوصفها فضاء استراتيجيا يحظى بعناية خاصة من قبل الملك محمد السادس.
وخلال استقباله اليوم الأربعاء لرئيس برلمان أمريكا الوسطى والوفد المرافق الذي يقوم بزيارة عمل إلى المملكة، شدد بكرات على أن الدينامية التنموية التي تشهدها الصحراء المغربية ليست سوى ترجمة فعلية لرؤية ملكية متكاملة، اتخذت من النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية خارطة طريق لإعادة صياغة واقع اقتصادي واجتماعي أكثر عدلا واستدامة.
الرؤية الملكية
أكد والي جهة العيون الساقية الحمراء أن المشاريع الكبرى التي أطلقت منذ سنة 2015، عقب الزيارة الملكية إلى العيون، شكلت نقطة تحول مفصلية في مسار تأهيل المنطقة، وجعلتها تضاهي كبريات المدن المغربية من حيث البنيات التحتية وجودة الخدمات؛ وهو ما يعزّز موقع العيون كمركز إقليمي للتبادل التجاري ومنصة لتعزيز التعاون جنوب-جنوب.
وأشار المسؤول الترابي إلى أن المملكة المغربية، باعتمادها ورش الجهوية المتقدمة، اختارت منح الجهات قدرة ذاتية على التخطيط والتنفيذ، بما يرسخ الديمقراطية المحلية ويمكن المنتخبين من أبناء الجهة من قيادة مسار التنمية؛ بينما تضطلع مصالح الولاية بدور المواكبة والدعم التقني في احترام تام للمقاربة التشاركية.
كما أبرز بكرات الأجواء السياسية المستقرة التي تعيشها الجهة، منوها بالمشاركة الواسعة في استحقاقات 2021 الانتخابية، والتي بلغت 69 في المائة، وهي الأعلى على الصعيد الوطني، في تأكيد جديد على التفاعل الإيجابي للسكان مع المسار التنموي والمؤسساتي، ورد عملي على كل الخطابات المشككة في شرعية التمثيلية المحلية.
وشدد والي العيون على أن خير دليل على ذلك هو محمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، الذي يعد أحد أبناء هذه المناطق، ويتولى رئاسة واحدة من أبرز المؤسسات الدستورية في البلاد، إلى جانب نماذج أخرى من أبناء الأقاليم الجنوبية الذين يتقلدون مناصب سامية في الدولة، من ولاة وعمال ومنتخبين؛ ما يعكس اندماجهم الفعلي والمثمر في بناء الدولة ومؤسساتها.
وختم والي جهة العيون الساقية الحمراء كلمته بالتأكيد على أن الزيارة الحالية ستتيح للوفد الوقوف على حجم المنجزات الميدانية، وعلى نجاعة النموذج التنموي الذي اختاره المغرب لأقاليمه الجنوبية، مشددا على “أهمية تعزيز التعاون الثنائي مع بلدان أمريكا الوسطى، وفتح آفاق جديدة لمشاريع مشتركة في مجالات الفلاحة والطاقات المتجددة والهجرة والتنمية المستدامة”.
شراكة استراتيجية
من جانبه، وصف كارلوس ريني هيرنانديز، رئيس “البرلاسين”، المملكة المغربية بـ”الشريك الاستراتيجي” لدول أمريكا الوسطى، مبرزا أن “زيارته لمدينة العيون، التي تأتي في سياق تخليد الذكرى العاشرة للشراكة بين برلمان بلاده والبرلمان المغربي، سمحت له بالاطلاع مباشرة على حجم المنجزات المحققة على الأرض، ضمن رؤية شاملة يقودها الملك محمد السادس”.
ولم يتردد هيرنانديز، الذي كان يتحدث خلال المحادثات بمقر ولاية جهة العيون، في التأكيد على موقف “البرلاسين” الثابت والداعم للوحدة الترابية للمملكة المغربية، معتبرا أن النموذج التنموي المطبق في الأقاليم الجنوبية يشكل “الحل الواقعي” الذي يكفل للساكنة الاستقرار والكرامة، انسجاما مع قيم احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وبينما أشاد بمستوى الدعم المؤسسي الذي يتلقاه “البرلاسين” من البرلمان المغربي، ولا سيما في تنظيم منتديات إقليمية في الدومينيكان والسلفادور، أعرب هيرنانديز عن رغبة بلدان أمريكا الوسطى في الاستفادة من التجربة المغربية في مجالات الهجرة والطاقات المتجددة والفلاحة الحديثة.
تنمية شاملة
وفي مستهل برنامج الزيارة، انتقل وفد برلمان أمريكا الوسطى إلى مقر القصر البلدي بمدينة العيون، حيث عُقد لقاء موسع مع مولاي حمدي ولد الرشيد، رئيس جماعة العيون، بحضور عدد من أعضاء المجلس الجماعي، في جلسة خصصت لاستعراض النموذج التنموي المحلي الذي تشهده المدينة، باعتبارها كبرى حواضر الصحراء المغربية.
وخلال هذا اللقاء، قدم ولد الرشيد عرضا شاملا حول التحولات التي شهدتها مدينة العيون منذ استرجاعها إلى السيادة الوطنية، مبرزا على وجه الخصوص النتائج المتقدمة التي تحققت في مجالات البنية التحتية والخدمات الأساسية والتجهيزات العمومية، والتي ساهمت “في تحسين مستوى عيش الساكنة، وتعزيز مكانة المدينة كقطب تنموي صاعد في القارة الإفريقية”، وفق تعبيره.
وشدد المسؤول الجماعي ذاته على جدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب سنة 2007، مؤكدا أنها تعبر عن إرادة سياسية صادقة لإيجاد حل نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء يضمن للصحراويين كرامة العيش داخل الوطن الواحد في إطار السيادة المغربية والوحدة الوطنية.
وفي الجانب المرتبط بالمعطيات الميدانية، استعرض ولد الرشيد أمام أعضاء الوفد البرلماني سلسلة من المشاريع التي تم إطلاقها خلال السنوات الأخيرة، تشمل إنشاء طرق جديدة وتوسيع شبكة الإنارة العمومية وتوفير مساحات خضراء حديثة، فضلا عن تجهيز المدينة بمرافق ثقافية ورياضية واجتماعية من الجيل الجديد.
وفي ختام الاجتماع، لفت المسؤول ذاته الانتباه إلى أن حجم الاستثمارات العمومية التي ضخت في هذه الأوراش يعكس التزام الدولة المغربية بمقاربة تنموية شاملة، تقوم على العدالة المجالية والتمكين الاجتماعي والاقتصادي للسكان؛ وهو ما جعل من العيون، حسب قوله، نموذجا حضريا حديثا ومتكاملا يتطلع إليه عدد من الأشقاء الدوليين كمصدر إلهام وتجربة ناجحة في البناء المحلي.
شراكة متقدمة
في الذكرى العاشرة لانضمام البرلمان المغربي كعضو ملاحظ دائم في برلمان أمريكا الوسطى، احتضنت مدينة العيون اجتماعا مشتركا جمع وفد هذه المنظمة الإقليمية بمحمد ولد الرشيد، رئيس مجلس المستشارين، الذي شدد على أن “التنمية المشتركة والتعاون جنوب–جنوب، تحت القيادة المباشرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، يشكلان ركيزة أساسية في السياسة الخارجية للمملكة تجاه دول أمريكا الوسطى والكاراييب”.
وأكد ولد الرشيد، وفي كلمته خلال الاجتماع، أن المغرب يسعى إلى جعل البرلمان المغربي جسرا مؤسساتيا يعزز روابط الصداقة مع هذه المنطقة، ويكرس التعاون جنوب–جنوب كخيار استراتيجي في مواجهة اختلالات النظام العالمي، لافتا إلى أن “هذا النوع من التعاون يتجاوز البعد التقليدي لمعالجة فجوة التنمية، ليصبح رافعة لبناء الثقة وتعزيز القدرة الجماعية على صياغة مستقبل مشترك”.
وسجل رئيس مجلس المستشارين أن عضوية المغرب داخل هذا التكتل البرلماني لم تأت من فراغ؛ بل تعكس قناعة المملكة الراسخة بأهمية الاندماج الإقليمي والوحدة المؤسساتية، منوها بالدور المحوري الذي تلعبه منظمة “سيكا” داخل المنظومة الجهوية وبالتناغم القوي بين هذا التوجه وخيارات المملكة الاستراتيجية التي تتبنى رؤية شاملة لتوطيد التعاون جنوب–جنوب.
وفي معرض حديثه عن المبادرة الملكية الخاصة بإفريقيا الأطلسية، اعتبر ولد الرشيد أن الأمر لا يقتصر على تمكين دول الساحل الأطلسي من رسم مساراتها الخاصة داخل المحيط؛ بل يتعداه إلى فتح قنوات شراكة واسعة مع بلدان جنوب الأطلسي وشماله، بما فيها دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى، في أفق بناء تحالفات استراتيجية عابرة للقارات.
أما بشأن ملف الصحراء المغربية، فقد حيا ولد الرشيد المواقف الثابتة والداعمة لغالبية دول برلمان أمريكا الوسطى؛ من بينها غواتيمالا والسلفادور وبنما وجمهورية الدومينيكان، مثمنا الدينامية الإيجابية مع الهندوراس، ومؤكدا أن “هذا الدعم الإقليمي يكرس الزخم الدولي المتصاعد لمبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الحل الواقعي والوحيد للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية”.
إعلان العيون
توّج الاجتماع المشترك المنعقد بمدينة العيون بين رئيس مجلس المستشارين المغربي وبين وفد برلمان أمريكا الوسطى بإصدار “إعلان العيون”، الذي أكد دعم هذا التكتل الإقليمي لمقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره واقعيا وذا مصداقية لحل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، مجددا احترامه لوحدة المملكة الترابية وسيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية، ومثمنا المجهودات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تمت معاينتها ميدانيا.
وأشاد الإعلان بالمبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس، معتبرا إياها رافعة استراتيجية لتعزيز الارتباط بين ضفتي الأطلسي وجعل المغرب منصة لوجستية للتعاون بين إفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاراييب. كما أعرب الجانبان عن رغبتهما في تعزيز التنسيق داخل المحافل الدولية، ودعم تنظيم الملتقى الجهوي حول الهجرة بجمهورية الدومنيكان، مع الاستفادة من التجربة المغربية في تدبير قضايا الهجرة والمهاجرين.
وفي بعد مؤسساتي، أكد الطرفان التزامهما بتفعيل الأمانة العامة لمنتدى الحوار البرلماني جنوب–جنوب بمقر مجلس المستشارين، وتكريس هذا الإطار لتعزيز التكامل بين دول الجنوب، مشيرين إلى أن انضمام المغرب سنة 2015 كأول برلمان إفريقي ومغاربي وعربي إلى برلمان أمريكا الوسطى بصفة عضو ملاحظ دائم، شكل منعطفا استراتيجيا في مسار التعاون البرلماني متعدد الأطراف، حيث تم تتويجه بإحداث منتدى “AFROLAC” الذي يحتضن المغرب أمانته العامة.
وعلى صعيد آخر، قام وفد برلمان أمريكا الوسطى بزيارة ميدانية شملت مجموعة من الأوراش التنموية البارزة بمدينة العيون، حيث وقف على حجم الاستثمارات والجهود المبذولة لتحقيق تنمية شاملة ومندمجة على مستوى الجهة. وتضمنت الزيارة جولة في القرية الرياضية التي تضم ملاعب قرب مخصصة لكرة القدم، إضافة إلى المكتبة الوسائطية محمد السادس وعدد من القاعات الرياضية المغطاة.