في تقريره الأخير أمام مجلس الأمن الدولي، أشار ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، إلى “التحديات والصعوبات المالية” التي تواجه بعثة “المينورسو”، مُسلطا الضوء على هشاشة الوضع الميداني ونقص الموارد التي تعيق أداء المهام الأممية.
هذه الإشارة، التي جاءت في سياق جلسة مغلقة لمجلس الأمن عُقدت الثلاثاء الماضي، أثارت تساؤلات حول ما إذا كان دي ميستورا يستشعر احتمال إنهاء مهام المينورسو، خاصة في ظل التحولات السياسية والدبلوماسية التي تشهدها القضية والتوجهات الأمريكية الحالية تجاه تمويل البعثات الأممية.
وتتزامن هذه الإحاطة مع تصريحات وتوجهات إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي أعربت عن نيتها تقليص التمويل لبعض بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ بما في ذلك المينورسو، وفقا لتقارير إعلامية.
وهذا التوجه، الذي يعكس سياسة “أمريكا أولا”، يضع ضغوطا إضافية على استمرار البعثة، التي تعاني أصلا من تحديات مالية وبشرية، ويثير تساؤلات حول مدى إدراك دي ميستورا لاحتمال إنهاء مهام المينورسو أو إعادة تعريف دورها في ظل الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
في هذا السياق، قال محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، إن بعثة المينورسو تواجه تحديات مالية كبيرة، حيث تعتمد بشكل رئيسي على تمويل الأمم المتحدة، التي تُعد الولايات المتحدة أحد أكبر مموليها بنسبة 22 في المائة من ميزانيتها التشغيلية و27 في المائة من ميزانية حفظ السلام.
وأوضح العمراني بوخبزة، ضمن تصريح لهسبريس، أن إدارة ترامب الحالية أعادت النظر في تمويل العديد من المنظمات الدولية؛ بما في ذلك بعثات الأمم المتحدة، انطلاقا من منظورها الذي يركز على تقليص إنفاق المال العام الأمريكي على المبادرات الدولية التي لا تحقق نتائج ملموسة.
وأضاف المتحدث عينه أن هناك عوامل أخرى تدفع نحو إعادة تقييم وضعية المينورسو، أبرزها الاعتراف الدولي المتزايد بمشروع الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي للنزاع؛ مما أدى إلى التخلي النهائي عن فكرة الاستفتاء التي كانت المهمة الأساسية للبعثة عند تأسيسها.
وأشار الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية والعلوم السياسية إلى أن قرارات مجلس الأمن المتتالية تؤكد هذا التوجه؛ مما يجعل استمرار البعثة في شكلها الحالي موضع تساؤل، خاصة مع تراجع الحاجة إلى مهامها الأصلية.
كما تطرق الأكاديمي ذاته إلى تصعيد جبهة “البوليساريو” وتهديداتها بالعودة إلى العمل العسكري، التي وردت في تقارير المينورسو ودي ميستورا، معتبرا أن هذه التحركات تشكل تحديا إضافيا لأداء البعثة في مراقبة وقف إطلاق النار.
وخلص العمراني بوخبزة إلى أن هذه العوامل مجتمعة قد تدفع إلى إنهاء مهام المينورسو أو إعادة النظر في اختصاصاتها، خاصة إذا استمر الدعم الدولي للحكم الذاتي؛ مما يقلل من جدوى استمرار البعثة في شكلها الحالي.
من جانبه، أوضح محمد بوبوش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن بعثة المينورسو، التي تأسست بقرار مجلس الأمن رقم 690 في أبريل 1991 لتنظيم استفتاء في الصحراء ومراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، فشلت على مدى 34 عاما في تحقيق هدفها الأساسي؛ وهو تنظيم الاستفتاء.
وفي هذا الصدد، لفت بوبوش الانتباه، في تصريح لهسبريس، إلى أن هذا الفشل، فضلا عن تحول البعثة إلى “لاعب سياسي ومالي”، يكرس استمرار النزاع بدلا من حله؛ ما يثير تساؤلات حول جدوى استمرارها.
وأضاف المصرح عينه أن البعثة تعاني من أزمة مالية بسبب تأخر بعض الدول في سداد مساهماتها، رغم تخصيص الأمم المتحدة ميزانية قدرها 75 مليون دولار لها في السنة الأخيرة، بزيادة 9.1 في المائة عن العام السابق.
وأبرز أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة إلى أن هذه الأزمة أدت إلى تقليص عدد موظفي البعثة ومواردها البشرية؛ مما يعيق عملها في ظل ظروف ميدانية غير مستقرة ناتجة عن تحركات البوليساريو وتأثيرات الأزمات في منطقة الساحل والصحراء.
وسجل بوبوش أن إحاطة دي ميستورا الأخيرة أمام مجلس الأمن بينت هشاشة الوضع الميداني وتدهور الأوضاع الإنسانية في مخيمات تندوف، خاصة مع تراجع المساعدات الغذائية.
وأكد الأستاذ الجامعي ذاته أن هذه التحديات، إلى جانب الدعم الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، عززت الأصوات الداعية إلى إعادة تقييم دور البعثة، سواء بإنهائها أو تعديل مهامها لتتماشى مع الواقع الجديد.
وفي هذا الصدد، أشار إلى أن مقترحا قدمه مكتب الميزانية بالبيت الأبيض في عهد ترامب دعا إلى إلغاء تمويل بعثات حفظ السلام التي أخفقت في تحقيق أهدافها، مثل بعثات في مالي ولبنان والكونغو. وعلى الرغم من أن المينورسو لا تزال مدعومة بقرار مجلس الأمن رقم 2756 حتى أكتوبر 2025، فإن إشارات دي ميستورا إلى الصعوبات المالية والميدانية قد تعكس استشعاره لاحتمال إنهاء مهام البعثة، خاصة في ظل ضغوط الإدارة الأمريكية لتقليص الإنفاق على البعثات الأممية.