قال نقاد سينمائيون مغاربة إن غياب الأشرطة ذات التوقيع المغربي عن قائمة الاختيارات الرسمية للدورة الـ78 لمهرجان “كان” السينمائي يُعد بمثابة “نداء جديد” لإجراء “مراجعة للحقل السينمائي المغربي وأخذ كافة ملاحظات المهنيين على محمل الجد”، مشددين على أن “المادة البصرية ذات المنحى الإبداعي ليست ترفا، وتحتاج إلى وقفة لتأخذ السينما المكانة نفسها التي أخذتها كرة القدم”.
إرادة سياسية
أفاد إدريس القري، الناقد السينمائي، بأن “الدعم الذي تُقدمه الدولة المغربية يُعد أسطوريا بالنسبة للعديد من التجارب في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك بالنسبة لبلغاريا”، معتبرا أن “المنح العمومية لا تُعد مع ذلك كافية دائما لتشييد صناعة سينمائية تنافسية قادرة على ضمان مكانة سنوية في الملتقيات العالمية البارزة من قبيل مهرجان ‘كان’ السينمائي العريق”.
وأضاف القري، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الفلسفة التي تشتغل بها الجهات الرسمية مع كرة القدم، مثلا، آتت أكلها؛ نتيجة تشغيل محترفين وإنشاء بنية تحتية وفوقية متكاملة”، موضحا أن “الفلسفة نفسها لو جرى الاشتغال بها مع الحقل السينمائي وتوفرت الإرادة السياسية لذلك لكان المشهد المغربي أفضل بكثير من بعض التجارب التي نُعاينها دائما في الكثير من الملتقيات، مع أنها شبيهة بوضعنا إلى حد التطابق أحيانا”.
وأورد الناقد المغربي أن “الحديث عن السينما لا بد أن يندرج في قلب الثقافة الوطنية”، مسجلا أن “إسبانيا وبريطانيا، مثلا، تُعدان من البلدان التي ركزت على منظومة حماية المجتمع وتحصين الهوية الحضارية والثقافية، وخصصت دعما استعجاليا كبيرا للحقل السينمائي، يُضاعف الدعم المغربي لمرات عديدة. هذا الدعم في البلدين حقق أثرا كبيرا”، وزاد: “في المغرب، المبادرات الفردية المتميزة تضمن لنا الحضور؛ لكنه ليس واردا ضمن بنية مؤسسة متكاملة”.
وتابع القري: “حضورنا على المستويين القاري والعالمي، بالنسبة للمنتخب الوطني لكرة القدم، مفهوم ومبرر ومستمر لسنوات. ثمة بنية حريصة على المنافسة وتتخذها غاية”، لافتا إلى أن “السينما المغربية حققت تراكما من الناحية الكمية لسنوات؛ ولكن الاعتزاز بالإنجاز يجب أن يكون عقلانيا، حتى لا يتكرس الشعور بأن المادة الوطنية تخطت كافة العقبات. شعور من هذا النوع يستبطن خطورة يختبرها الأثر بشكل أساسي”.
الاعتبارات الفنية
أحمد السجلماسي، ناقد فني مغربي، اعتبر أن “الزخم الذي عرفته العشرية الأخيرة على مستوى الإنتاجات السينمائية كان لافتا”، مبرزا أنه “خلال سنة 2024، مثلا، وصلنا إلى 40 فيلما سينمائيا طويلا، سواء كانت وثائقية أو روائية، فضلا عن الأعمال المتعلقة بالثقافة الحسانية”، وقال: “الرقم قياسي، والعدد يزداد؛ لكن أحيانا على حساب الجودة والكيف. نادرا ما نُعاين قفزة نوعية على المستوى الإبداعي”.
وزاد السجلماسي: “أغلبية منتجي الأفلام يُراهنون على النوع الكوميدي ليضمن للمشاريع رواجا في القاعات السينمائية حين تغدو نهائية”، معتبرا أن “هذا الانشداد إلى نوعٍ معين من الاختيارات الفنية جعل كذلك مخرجين معروفين يُقدمون أعمالا بهذه الصيغة المربحة من الناحية التجارية، مع أن مضامينها الفنية تكون منخفضة”.
وتابع الناقد المغربي تصريحه لهسبريس قائلا: “المهرجان الفرنسي العريق لديه اختياراته، وأحيانا تكون الأعمال المغربية المنتقاة مقدمة من مخرجين مزدوجي الجنسية”، وأورد أن “أسماء مغربية تمكنت دون الجنسية من دخول هذا الموعد الدولي المرموق في المشهد العالمي بشكل عام”، مسجلا أن “الاعتبارات السياسية تحضر بدورها لانتقاء عمل معين ليعرض في سياق المهرجان أو ضمن إحدى فقراته”، وفق تعبيره.
واعتبر المتحدث أن “بعض المشاريع المغربية التي يُمكن أن تُرشح للمهرجان ربما لم تكتمل”، موردا أن “الأفلام ذات القيمة صارت تدخل في خانة الندرة، مع أن المشهد السينمائي المغربي متنوع ويُبصم على عدة أشكال من المادة البصرية، سواء سينما المؤلف أو الأعمال ذات الطبيعة الاجتماعية أو الكوميدية؛ لكن مخاوف المهنيين تتعلق بتسيد الشكل الكوميدي للحقل المغربي وإفراغ الأشكال التعبيرية الأخرى من كل معنى”.