في خطوة جريئة طال انتظارها، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن تبني نظام ضريبي موحد بديل للرسوم الحكومية والإدارية المتفرقة، في إطار خطة الدولة لتبسيط الإجراءات وتحفيز الاستثمار، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني نحو الشمول والشفافية.
القرار الذي لاقى ترحيبًا واسعًا من الأوساط الاقتصادية والاستثمارية، اعتُبر خطوة هامة نحو تحسين بيئة الأعمال، ورفع العبء البيروقراطي عن المستثمرين، وتعزيز تنافسية مصر في الإقليم.
لكن، وبينما تُصدر القيادة السياسية إشارات قوية على طريق الإصلاح، فإن الواقع في كثير من الأحيان يروي قصةً أخرى، قصة تبدأ في دهاليز مصلحة الضرائب، وتمتد إلى مراكز الحجز والتحصيل، حيث تتعثر جهود الإصلاح في متاهات الإجراءات التنفيذية، ويمر المستثمر في طريق مليء بالعراقيل، قد تنتهي بسلبه حرية العمل… وأحيانًا حريته الشخصية.
أكبر التحديات التي تواجه المستثمرين اليوم لا تكمن في القوانين بقدر ما تكمن في الممارسات الإدارية، وعلى رأسها ما يتم من قبل إدارات الحجز والتحصيل الضريبي.
ففي الوقت الذي يسعى فيه المستثمر للطعن على تقديرات ضريبية جزافية – بعضها يعود إلى سنوات مضت – تتسرع المصلحة في الحجز على حساباته المصرفية، بل وتطالبه بسداد مبالغ ما تزال محل نزاع أمام المحاكم. وبدلًا من انتظار الحكم القضائي، يُجبر المستثمر على تحرير شيكات بقيمة المبالغ المتنازع عليها، وفي حال تعذر الوفاء بها – بسبب تجميد الحسابات أصلًا – تبادر المصلحة برفع دعاوى “شيكات بدون رصيد”، وهو ما يعرض المستثمر للحبس، رغم أن القضية الأصلية لا تزال متداولة.
بحسب تصريحات سابقة لرئيس مصلحة الضرائب السابق المستشار رضا عبد القادر، فإن عدد الطعون المقدمة سنويًا يتجاوز 30 ألف طعن، ما يعكس حجم الخلافات بين الممولين والمصلحة. وتؤكد مصادر من داخل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن هناك تضخمًا في قضايا النزاعات الضريبية وتباطؤًا في تسويتها، الأمر الذي يؤثر سلبًا على تدفق السيولة في السوق، ويدفع عددًا من المستثمرين إلى الانسحاب أو تجميد النشاط.
تكرار هذه الوقائع، خاصة مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي لا تملك غطاء قانونيًا أو ماليًا كافيًا للدفاع عن نفسها، يؤدي حتماً إلى إغلاق المشروعات وفقدان فرص العمل.
تدعو لجنة الاستثمار بحزب الوعي السيد وزير المالية
1. مراجعة شاملة لمراكز الحجز والتحصيل على مستوى الجمهورية، وإصدار تقرير رسمي عن عدد قرارات الحجز وقضايا الشيكات المرتبطة بها.
2. وقف إجراءات الحجز والتنفيذ في حالة وجود طعن أو نزاع قضائي قائم.
3. تطوير آلية للصلح الضريبي العادل، تشمل جدولة المستحقات والتسوية الودية دون المساس بحرية المستثمر أو تجميد حساباته.
4. فصل النزاع المدني عن الجنائي، وعدم استخدام القضايا الجنائية كأداة ضغط لتحصيل مستحقات متنازع عليها.
5. نشر تقارير شفافة عن أداء مراكز التحصيل والحجز، والشكاوى الواردة بشأنها، بما يرسخ مبدأ المساءلة والمراقبة المجتمعية.
ختامًا: إن قرار الرئيس بشأن الضريبة الموحدة هو خطوة ذكية في اتجاه الدولة الحديثة، ولكن نجاحه الحقيقي لن يتحقق دون إصلاح جذري لبنية التنفيذ الإداري على الأرض. لا يمكن لمستثمر أن يشعر بالأمان في بيئة قد يُزج به فيها إلى الحبس بسبب شيك كُتب تحت ضغط الحجز والتهديد، وقضية لم يُبت فيها بعد.
إن بيئة الاستثمار الآمنة تُبنى بالثقة، والتشريع العادل، والتنفيذ النزيه.
ولن يكون ذلك ممكنًا دون إزالة العقبات التي تعيق وصول قرارات القيادة السياسية إلى الممول والمستثمر في صورتها الصحيحة.