نظمت الفيدرالية الديمقراطية للشغل، مساء أمس الأحد، مؤتمرها الإقليمي الثاني بمدينة تنغير تحت شعار “تنظيم قوي ومتجدد، نضال مستمر من أجل عدالة اجتماعية ومجالية للجميع”، بحضور الكاتب العام للفيدرالية يوسف أيدي، وعدد من ممثلي القطاعات النقابية والهيئات السياسية والجمعوية، إلى جانب فعاليات إعلامية ونقابية محلية وجهوية.
وفي كلمته بهذه المناسبة، أثنى الكاتب العام لـ”فدش” على المنتسبين للنقابة في إقليم تنغير والجنوب الشرقي عموما، معبرا عن اعتزازه بروح الالتزام والانضباط التي تميز نضالاتهم، رغم الظروف الصعبة والتحديات المتعددة، وأكد أن العمل بهذا المستوى من التعبئة والانخراط الجاد يعطي إشارات واضحة بأن التنظيم يسير في الاتجاه الصحيح، وأن المستقبل سيكون واعداً إذا استمر هذا النفس النضالي المتجذر في قيم الصدق والمسؤولية.
وسجل أيدي أن الفيدرالية الديمقراطية للشغل مرت بمرحلة صعبة تميزت بتشتت تنظيمي وصفه بـ”الجزر”، قبل أن يضيف أن الفيدرالية تعيش اليوم مرحلة جديدة من البناء متعدد الأبعاد، تتسم بانفتاح القطاعات النقابية بعضها على بعض، في إطار رؤية جماعية تهدف إلى إعادة الاعتبار للعمل النقابي الجاد، وتكريس استقلاليته عن كل أشكال التبعية والحسابات الضيقة.
وأكد أن الفيدرالية حريصة اليوم على التوجه نحو المستقبل بوضوح في المواقف، وقطع الطريق أمام كل الأساليب التي أساءت للعمل النقابي، وعلى رأسها “التبزنيس” و”البيع والشراء” في قضايا الطبقة العاملة، لافتا إلى أن العمل النقابي يجب أن يظل عملا نبيلا، منطلقه ومنتهاه هو الدفاع عن مصلحة الأجير والموظف.
وفي سياق الدينامية التنظيمية التي تشهدها الفيدرالية، شدد أيدي على استقلالية الفعل النقابي، مشيرا إلى أن الفيدرالية منفتحة على كافة التنظيمات السياسية، وأنها تعتز بتحالفها الاستراتيجي مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان ولا يزال الحاضن التاريخي لتجربة الفيدرالية منذ تأسيسها.
ولم يفوت الكاتب العام للفيدرالية المناسبة دون التعبير عن أسفه العميق للوضع التنموي المتردي الذي تعيشه جهة درعة تافيلالت، متسائلا “أين هو رصيد هذه الجهة من التنمية؟”. وأضاف أن المقارنة مع محور طنجة- أكادير تكشف حجم التفاوتات المجالية الصارخة التي يعاني منها المغرب، مشيرا إلى أن النقابات تتحمل جزءا من مسؤولية الترافع من أجل العدالة المجالية، ودعا إلى تعزيز انخراط الطبقة المتوسطة في العمل السياسي لأن مقاطعتها للسياسة تساهم في تعميق الأزمة وتكريس وضع التهميش.
وفي سياق متصل، أوضح الكاتب العام أن رفع الوعي والمطالبة بالعدالة المجالية يجب أن يصبح جزءا من المهام النقابية، إلى جانب المطالب الكلاسيكية المرتبطة بالأجور وتحسين ظروف العمل، داعيا إلى خطوات اجتماعية حقيقية لا تقتصر فقط على الزيادة في الأجور، بل تشمل أيضا تخفيف التكاليف المرتبطة بالتطبيب، والتعليم، والسكن، والتغطية الصحية.. وطالب بإعفاءات ضريبية عادلة لفائدة الشغيلة بدل استمرار الامتيازات الممنوحة لفئات وصفها بـ”الفراقشية”.
وفي إطار التحضير لاحتفالات فاتح ماي، ذكر أيدي أن الفيدرالية ستنظم تظاهرتها المركزية هذه السنة بمدينة ميدلت، مبرزا أن هذه المناسبة تشكل لحظة لتجديد التأكيد على المطالب المشروعة للطبقة العاملة، وعلى رأسها تحسين القدرة الشرائية، منتقدا ما وصفه بتضارب الخطاب الحكومي، الذي يتحدث عن تخصيص 43 مليار درهم للحوار الاجتماعي، في حين تعرف الأسعار ارتفاعات صاروخية لا تتماشى مع الزيادات المعلنة، وأكد أن زيادة 1000 درهم لا توازي حجم الغلاء في المواد الأساسية، والتعليم، والصحة، والسكن، وغيرها من الحاجيات الأساسية للمواطن.
وفي تفاعله مع ما أثير بخصوص ملف السكن الاقتصادي، استنكر الكاتب العام الارتفاع غير المبرر في الأسعار بمدينة تنغير، معتبرا أن السكن يجب أن يكون في متناول الأجراء لا وسيلة لاستنزافهم.
كما وجه تحذيرا صريحا من محاولات تمرير إصلاح أنظمة التقاعد في الخفاء، مشيرا إلى أن ما جرى في ملف قانون الإضراب قد يتكرر بطريقة مشابهة، وقال إن الحكومة ناقشت مع المركزيات ملفات عدة، من بينها المتصرفون ومفتشو الشغل وموظفو الجماعات، ولوح بإمكانية أن يتم تمرير إصلاح التقاعد بالنهج نفسه الذي تم به تمرير قانون الإضراب، الذي وصفه بـ”القانون التكبيلي”.
ووصف أيدي ما وقع في ملف الإضراب بالمسرحية الرديئة، مشيرا إلى أن بعض المركزيات وافقت على القانون خلال جلسات الحوار الاجتماعي، ثم حاولت التملص من مسؤوليتها داخل البرلمان، في محاولة للتضليل والركوب على وعي الشغيلة، قبل أن يضيف “من اتفق مع الحكومة فليخرج إلى الشعب وليعترف، لا أن يبكي مع الراعي بعد أن أكل مع الذئب”، معتبرا أن قرار الإضراب العام الذي تم الترويج له لم يكن سوى قرار على الورق، ولم يترجم إلى معركة حقيقية لغياب القناعة والتعبئة والوضوح، وهي شروط أساسية لأي نضال نقابي جاد.
وتوقف الكاتب العام عند معاناة فئات واسعة من الشغيلة، خاصة في القطاع الخاص، وضمنهم العاملون في شركات المناولة كالنظافة والحراسة، واصفا وضعهم بـ”العبودية والأشغال الشاقة”، في ظل تأخر الأجور، وغياب التصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وانعدام الحماية الاجتماعية. وزاد قائلا: “حرام أن نتعامل مع المغاربة في 2025 كما لو كانوا عبيدا… والحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة”.
وأضاف أن الفيدرالية الديمقراطية للشغل تعتبر نفسها حاملة لمشروع اجتماعي ديمقراطي يدافع عن الحقوق العادلة والمشروعة للطبقة العاملة، مشيرا إلى أنها ماضية في مشروعها النضالي رغم كل العراقيل، بما فيها تعقيد المساطر الإدارية ورفض تسليم الوصل القانوني لبعض فروعها. وتابع قائلا: “هذا لن يثنينا عن الاستمرار، فمعنا قواعد مؤمنة بمشروعنا، ومصممة على مواصلة البناء والنضال بصدق ووضوح”.
وفي ختام كلمته، عبر الكاتب العام عن اعتزاز الفيدرالية الكبير بالتطورات الإيجابية التي يعرفها ملف الوحدة الترابية للمملكة، مشيداً بالقيادة الرشيدة للملك محمد السادس، والتأييد الدولي المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي، ومؤكدا أن حسم هذا الملف سيعود بالنفع على مختلف جهات المملكة، ومنها الجهات المهمشة.
من جانبه عبر يوسف أوحميدوش عن اعتزازه الكبير بانعقاد المؤتمر الإقليمي الثاني للفيدرالية بتنغير، معتبرا إياه محطة تنظيمية تاريخية تؤسس لمرحلة جديدة من البناء النقابي الجاد والمسؤول بجهة درعة تافيلالت. كما أشاد بصمود مناضلي ومناضلات تنغير، مؤكدا أن النقابة ليست فقط أداة للدفاع عن الحقوق الاجتماعية، بل أيضا رافعة للتنمية في مناطق الهامش، وقال إن أبناء الجهة أولى بالانخراط في العمل النقابي لأنهم يعانون من التهميش وغياب الحد الأدنى من شروط العيش الكريم.
وأكد أن الفيدرالية الديمقراطية للشغل بالجهة تعيش اليوم دينامية تنظيمية حقيقية بعد عقود من التبعية والتراجع، مشيرا إلى أن توسع التنظيم في قطاعات متعددة مثل التعليم، الصحة، العدل، الشاحنات، الصناعة التقليدية والجماعات الترابية يعكس تنامي الوعي النقابي وتشكل إرادة جماعية للتنظيم. وأعلن في هذا السياق عن الاستعداد لمحطتين تنظيميتين قادمتين في الرشيدية وميدلت، استعدادا للاستحقاقات المهنية المقبلة.
وفي ختام كلمته، وجه أوحميدوش نداء إلى الكاتب العام بضرورة منح جهة درعة تافيلالت تمييزا إيجابيا ودعما خاصا من المكتب الوطني لمواكبة الورش التنظيمي المفتوح. كما دعا إلى إطلاق برامج تكوين المناديب في القطاع الخاص، وتجميع المهنيين في السياحة والصناعة التقليدية، مشيرا إلى أهمية دعوة النقابة الوطنية للتجار والمهنيين للانضمام إلى الفيدرالية لضمان وحدة الصف النقابي في القطاعات الاقتصادية ذات الطابع غير المهيكل.