بمجرد خروجي من بوابة محطة مترو جامعة القاهرة في الاتجاه المعاكس تجاه منطقة أبوقتاتة استقبلني مشهد سريالي بامتياز لم أكن أتوقع رؤيته سوى في أفلام عاطف الطيب.
لفت نظري طابور طويل يجمع شيوخ وشباب وسيدات وأطفال، دفعني الفضول لأعرف سبب هذا الطابور الغريب والمنتظم بصورة دقيقة دون اختلال، وياليتني ما سألت، لأني سرعان ما اكتشفت أنني أمام طابور لبيع مواد مخدرة من تلك المواد التخليقية التي انتشرت في الفترة الأخيرة مثل (الآيس والشابو والباودر.. إلخ) مجرد كيس صغير شفاف أصغر من كف اليد يدفع المدمن المنتظم في الطابور مبلغ زهيد ليحصل عليه من الموزع.
يكتمل المشهد السيريالي على بعد أمتار من الطابور حيث يفترش الأرض عدد من الأشخاص، أويسيرون مترنحين في حالة غياب تام عن الوعي في هيئة أشبه بمشاهد الأفلام عن الزومبي (الموتى الأحياء) جراء تعاطيهم تلك المواد.
سألت أهل المنطقة.. قالوا إن هذا المشهد بات اعتياديا يتكرر على مدار اليوم بل والساعة، رغم الحملات النشيطة والدائمة التي لا تتوقف من مباحث قسم بولاق لمطاردة هؤلاء الموزعين والقبض عليهم أيضا بشكل شبه يومي.
قيل لي أن المشكلة أن عددا كبيرا من المراهقين والشباب بات يمتهن مهنة تصنيع تلك المواد المخدرة شديدة الخطورة على حياة متعاطيها في البيوت وبيعها بسعر زهيد، وهو ما يصعب المهمة على رجال الشرطة لأن الموضوع تشعب بشكل خطير.
بحكم عملي أعلم أن مكاتب مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية وإدارات المباحث تبذل جهودا مضنية لا تتوقف ليل نهار عن مطاردة وضبط تجار تلك المواد وموزعيها ولا يمر يوم دون ضبط كميات ضخمة ومهولةجاهزة للتوزيع.. ما يعني أن الحل الأمني وحده لم يعد كافيا لمواجهة ذلك الخطر الذي تسلل لمجتمعنا وتفشى بصورة مرعبة تتجاوز الشكل التقليدي الذي كنا نعرفه سابقا عن عمليات تداول وتهريب المواد المخدرة، أوأنواعها التقليدية، لأن الموضوع الآن بات من الخطورة بحيث يتم استحداث مواد تخليقية جديدة عبر وصفات وخلطات عجيبة من مواد كيميائية عادية متاحة في محال المنظفات، شديدة الخطورة على الإنسان ومع ذلك يقبل عليها المدمنون كبديل رخيص وفي متناول اليد للمواد المخدرة التقليدية والبرشام.
قادتني قدمي وأنا منخرط في ذلك التفكير لأجد نفسي أعبر باب جامعة القاهرة الذي يبعد خطوات قليلة عن طابور المدمنين، وهنا ثار في ذهني سؤال.. أين العلم وأين الدور المجتمعي للجامعات في مواجهة هذا الخطر المتفشي الذي يضرب المجتمعات في مفاصلها؟!
أين الدور التوعوي لجامعاتنا في مواجهة زحف التقليد الأعمى الذي نقل إلينا مشاهد مدمني مانهاتن وأحياء أمريكا الفقيرة لأحيائنا العشوائية.
ياسادة الحل الأمني وحده لن يكون قادرا على مواجهة تلك الظواهر المستفحلة سواء المستحدثة منها أو تلك المستوردة، نحتاج لتضافر جميع الجهود(مؤسسات تعليمية، محليات، منظمات مجتمع مدني، وزارات شباب وتضامن، قطاعات الصحة) بشرط أن تكون جهود حقيقة ومخلصة وليست مجرد لقطات تصوير، ودفاتر سد خانة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.