تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وبإشراف الدكتور أشرف العزازي، أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، انعقدت ندوة بعنوان "إنتاج ومقاومة الخطاب الثقافي المتطرف - مقاربات الثقافة الشعبية والثقافات الفرعية والمضادة"، نظمتها لجنة مواجهة التطرف والإرهاب ومقررها الدكتور أحمد زايد، بالتعاون مع لجنة التراث الثقافي غير المادي ومقررها الدكتور محمد شبانة.
أدار الندوة الدكتور خالد عبد الفتاح أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان وعضو اللجنة.
بدأت الندوة بكلمة الأستاذ محمد الروبي الناقد المسرحي والأستاذ غير المتفرغ بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، والذي بدأ حديثه بالتعريف بأنواع الثقافة، فمنها الشعبية والرمزية، كذلك الثقافة المضادة والتي يعتبرها ردًّا واعيًا على الثقافة المهيمنة، كما تعد أيضًا ثقافة مقاومة لها أدوات تعبر عنها بطرق مختلفة وبأشكال متعددة من الفنون، ثم تحدث عن المسرح، وتحديدًا المسرح المستقل، وقال إنه شكل من أشكال المسرح، وغالبًا ما يعتمد على المبادرات الفردية أو الجماعات، ومن أهم سماته الاستقلال الإداري والمادي، فهو لا يتبع غالبًا مؤسسات الدولة، كذلك الهوية الجماعية واللامركزية.
وعن الفرق المسرحية التي تعبر عنه قال إنها غالبًا ما تكون خارج السلطة، لذا يعتبرها شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية التي تعمل وتسعى إلى الاختلاف مع الخطابات السائدة، من خلال الارتجال وكسر الجدار الرابع، وأضاف أن هذا النوع من المسرح يتيح بشكل أكبر حرية التعبير، فالاعتناء بهذا المسرح المستقل يشكل ضرورة استراتيجية لأي مشروع ثقافي جاد، فهو يعزِّز مناعة المجتمع ضد أي تيارات متشددة وأي فكر سائد ثابت، وتابع الروبي أن من الضروري توفير بنية تحتية دون وصاية صارمة، كذلك تسهيل إجراءات التراخيص ووجود صناديق دعم من المجتمعات المدنية لكي يستكمل هذا النوع من المسرح مسيرته.
ثم تحدث الدكتور مصطفى جاد أستاذ مناهج الفلكلور وتقنيات الحفظ في المعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، وجاء حديثه في سرد مميزات العنصر الشعبي والثقافة الشعبية وقال إننا لكي نقول عنه إرثًا شعبيًّا من البديهي أن يكون قديمًا وموروثًا، بل ومن البديهي أيضًا أن يمارس حتى الآن، وعن العادات والتقاليد في الأدب الشعبي قال إنها بالآلاف، ولكن للأسف غالبًا ما تصطدم ممارسة تلك الموروثات الشعبية بالخطاب المتطرف، وضرب عدة أمثلة لذلك، ومنها عادات دورة الحياة، كالميلاد والزواج والوفاة، وتابع أننا عندما نقوم بحفلات السبوع المتميزة بالبهجة والفرح نجد أن هذا الطقس الشعبي القديم يواجَه بالرفض من الخطاب المتطرف بحجة أنها ضد الدين وتسمع عبارات النقد وبأنه لا يجوز ولا بد أن تستبدل بـ"العقيقة"، كذلك في الموت نجد أيضًا أن هناك خطابًا يحرم سرادقات العزاء ويريد أن يستبدلها بالعزاء في المقابر بحجة أنها ضد الدين، وأنها بدعة، كذلك نجد الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يقابل أيضًا بنفس جمل الرفض، حتى الممارسات الشعبية والدينية في ساحات المساجد، مثل مسجد سيدنا الحسين والسيدة زينب أيضًا تقابل بالرفض، فما بالك بما يوجه من رفض ونقد لفنون الرقص والغناء الشعبي والمسرح وما شابه تلك الفنون البديعة!
ثم تحدثت الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق وعضو اللجنة عن تجربة مشاركتها في تطوير بعض قرى المحافظات، وقالت إنها انبهرت من الثقافة الشعبية المترسخة في أهالي تلك القرى، إذ إن الثقافة الشفاهية والشعبية فتحت مفهوم الثقافة لديهم بشكل أوسع وأرسخ، فتلك الفئة من البسطاء نجد لديهم ثقافة العمال والفلاحين، وكذلك فالأميون منهم لديهم ثقافة شعبية غنية تدعوك للإعجاب والانبهار بما يحفظون ويمارسون من عادات وتقاليد، وبما يرددون من أمثال شعبية وموروثات حافظوا على أن تبقى معهم، بل ونقلوها إلى الأجيال الأخرى، وأضافت أن أهم ما يميز تلك الفئة هو مفهوم خاص جدًّا يسمى "تفهم القدر"، ووصفته بأنه مفهوم راسخ في مجتمعاتنا، فكان لا بد أن نتحصَّن به في فترات الخطر، ففي أزمنة كثيرة في حياة مصر استطعنا بتلك الثقافة الشعبية أن نطرد أي ثقافة مغايرة ولا نقبلها، فنحن الدولة الوحيدة التي دخلتها الديانات الثلاث، فاستوعبنا التعددية الدينية بمنتهى الشفافية، كذلك استطعنا أن نقتبس من هذا التعدد في الديانات أجمل ما فيه.
ثم تحدث المستشار أيمن فؤاد رئيس محكمة الاستئناف العالي بالقاهرة وعضو اللجنة، والذي أكد ضرورة أن نبحث عن كل ما نتفق عليه وليس عن كل ما نختلف عليه، فالثقافة كما وصفها هي المظلة الأوسع التي يتحصن بها ويحتضنها الجميع، فالخطاب الثقافي بحق هو الخطاب الذي يستطيع استقبال، بل والترحيب بآراء الآخرين، فربما هم على صواب، وربما نكون نحن على صواب، فمبدأ التشكيك في كل ما هو مخالف غير مقبول لو أردنا أن نرسي بحق خطابًا ثقافيًّا جديدًا، وأضاف أن إقصاء الآخر ليس هو الحل، بل هو المشكلة، فليس كل اختلاف لا بد أن ينتج عنه خلاف، فلا بد لنا من معرفة الاختلاف، ولكن من الخطأ الكبير أن نصنعه، كذلك علينا أن نرفض ولا نقر النظام السلطوي بدايةً من السلطة الأبوية إلى كافة أشكالها الكثيرة والمتعددة.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.