كشفت وزارة العدل، السبت، أن النص التنظيمي المرتبط بالقانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة سيرى النور قريبًا؛ موضحة أنه “تم إعداد مسودة نصّ تطبيقي يتضمن 81 مادّة بغرض استكمال المنظومة المرتبطة بتنزيل مضامين القانون”، وبداية العمل بهذه العقوبات. ويعتبر “النصّ جاهزًا في انتظار انطلاق مسطرته التشريعيّة وعرضه على أنظار المجلس الحكومي قريبًا”.
جاء هذا على لسان ملاك روكي، قاضية ملحقة بوزارة العدل بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة، خلال ندوة نظمتها الوزارة حول “العقوبات البديلة خطوة نحو أنسنة نظام العقوبات”.
وأبرزت المسؤولة القضائية أن “القانون يحيل على نصّين تنظيميين؛ غير أن اللجنة المكلفة بالموضوع ارتأت جمعهما في نصّ واحد يتضمن 81 مادة”، مشيرة إلى أن “المسودة جاهزة للإحالة على مسطرة المصادقة”.
“عقوبات ضرورية؟”
وأبرزت روكي في مداخلتها أن الاشتغال على فلسفة العقوبات البديلة ينطلق من مجموعة من الرهانات، ضمنها “الإنسانية طبعًا، المتمثلة في تلافي سلبيات السجن وحفظ كرامة المدانين وكذا سلامتهم؛ بالإضافة إلى تعزيز التواصل الإيجابي مع المحيط الخارجي، مما يرفع فرص الإصلاح وإعادة التأهيل والإدماج، وكذا التعامل الإيجابي مع بعض الفئات من الجناة من الأحداث والنساء، إلخ”.
وتحدثت روكي، خلال النشاط المنظّم على هامش المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الـ30، عن رهانات أخرى، ضمنها الرهان الصحي والاقتصادي والنفسي والاجتماعي، المتجسّد في تجنّب الوصم الاجتماعي الذي يعاني منه أغلب السجناء غير الخطرين”، مضيفة أنه بخصوص الرهان الاقتصادي فهو يتعلق بتقليص التكلفة المالية التي تثقل كاهل الدولة في مجال المؤسسات السجنية”.
وأشارت إلى أن “الوزارة اعتمدت مقاربة تشاركية من خلال الخطوات التي مرّ منها القانون المتعلق بالعقوبات”، مبرزة أنه “تمت الاستفادة من العديد من التجارب وتجارب الدول التي بلغت مستوى من التنوع والممارسة، وهو ما جعل عملية القيام بالمقارنة ودراسة النجاحات والمعوقات أمرًا مفيدًا في اعتماد التوجهات والضوابط الملائمة عند إقرار قانون العقوبات البديلة”.
وتابعت قائلة إن “التجارب الدولية تتضمن جملةً من العقوبات البديلة، لكننا ارتأينا انتقاء العقوبات التي تتماشى مع الخصوصية المغربية كالعمل لأجل المنفعة العامة أو المراقبة الإلكترونية أو تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية أو الغرامة اليومية التي أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي”، مشيرة إلى أنه “في المغرب كانت هناك صعوبة بخصوص إضافة تجربة السجن نهاية الأسبوع أو طلب الاعتذار أو التنبيه.. وجدنا أنها عقوبات لا تحقّق الردع”.
وبخصوص الضوابط العامّة للحكم بالعقوبات البديلة، أوضحت القاضية الملحقة بوزارة العدل أنه “يتعيّن أن يكون الفعل المعاقب عليه جنحة لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسا نافذا، وعدم توفر حالة العود”، مع تشديدها على ضرورة أن “تكون الجنحة المرتكبة خارجة دائرة الاستثناءات المقررة في الفصل 353 كالاختلاس والغدر… وجرائم أمن الدولة والإرهاب والجرائم العسكرية”.
وعن السوار الإلكتروني أو المراقبة الإلكترونية، أفادت روكي، في الكلمة التي قدّمتها نيابة عن مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة هشام ملاطي، أنه “بديل من الوسائل المستحدثة في السياسة العقابية ومن أهم ما أفرزه التقدم التكنولوجي، الذي انعكس بدوره على السياسة العقابية في معظم الأنظمة المعاصرة التي أخذت به”، مشيرة إلى أن “تطبيق نظام المراقبة الإلكترونية سيحقّق قدراً كبيرًا من التوازن بين حقوق وحريات الأفراد والمصلحة العامة”.
الحاجة إلى عقوبة بديلة
محمد الساسي، الأكاديمي والسياسي اليساري والباحث في القانون، بعدما ذكر بالسياق الدولي لاعتماد العقوبات البديلة، انتقل إلى السياق الوطني مشيرا إلى أن “المنظومة القانونية التي بدأ العمل بها بعد الحرب العالمية الثانية كان غرضها حماية الإنسان وأنسنة العقوبة والحيلولة دون الأعمال الوحشية التي لا تطابق كرامة الإنسان (…)، فالجاني رغم أنه ارتكب جريمة فهو إنسان ويتطلب الأمر معاقبته وفق منطق يطابقُ إنسانيّته”.
وقال الساسي، في كلمته، إن “هذه الترسانة التي تم إرساؤها عقب الحرب الكونية الثانية باتت مهددة اليوم”، مسجلا “وجود تناقض”، قبل أن يضيف “اعتبرنا أنفسنا أننا انتقلنا إلى عهد آخر، لكن اكتظاظ السجون جعلها فضاء ذا إيذاء غير ضروري للسجناء والمجتمع، وصار مكلفا وأدى بالكثير من المعتقلين إلى الانتحار. أصبحت أوضاع السجون مغايرة لتصور المجتمعات الغربية عن انتقالها إلى عصر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان”.
ولفت الأكاديمي عينه إلى “الضرورة المطروحة كي نعيد قراءة الظاهرة الإجرامية في المغرب”، مذكرًا بأن الخطاب الملكي لسنة 2009 دعا إلى إحداث مرصد وطني للجريمة، غير أن هذا المشروع تأخر سنوات قبل أن يتم تأسيسه في شكل مديرية تابعة لوزارة العدل. وتابع قائلا: “لا أريد أن أتقول على الملك، ولكن أتصور أنه كان يقصد به مؤسسة وطنية مستقلة عن الوزارة”.
وسجل أن “اعتماد العقوبات البديلة في المغرب يتعلق بجملة من الاعتبارات، منها أننا نواجه نفس مشاكل السجون التي تعرفها دول أخرى، بل ربما مشاكلنا أعقد. ربما حاليا عدد السجناء يناهز 110 آلاف، أي أقل من فرنسا، ونحن ضمن العشرين دولة الأولى في العالم التي تعرف نسبة مرتفعة من حيث الساكنة السجنية”، لافتا إلى أن “المندوب العام لإدارة السجون وجه صرخة سنة 2023، وقد كان لها ما بعدها”.
وأشار في هذا السياق إلى أن “مسألة الجريمة تثير نقاشًا مستمرًا، حيث تعلن الجهات الأمنية الرسمية باستمرار عن كون نسبة الجرائم إما مستقرة أو في تراجع في المغرب، غير أن استمرار هذه الطمأنة يكشف عن معطى أخطر يتمثل في ارتفاع الشعور بعدم الأمان لدى المواطنين. الإحساس بالخوف من الجريمة قد يكون أكثر خطورة من الجريمة ذاتها في بعض المجتمعات”.