ابتكر الباحثون تقنيةً جديدةً تستهدف إنتاج الأسمنت منخفض الكربون، في خطوة من شأنها أن تسهم بإزالة الانبعاثات من إحدى أكثر الصناعات تلويثًا للبيئة، وفق نتائج دراسة حديثة طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
وتسهم الدراسة التي أجراها باحثون بمعهد داليان للفيزياء الكيميائية في الصين بتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بصناعة الأسمنت بنسبة تصل إلى 80% عبر استعمال غاز الميثان ونفايات الفولاذ جزءًا من التفاعل التحفيزي.
وعبر استعمال عناصر معدنية مثل الحديد والألمنيوم والزنك -محاكاة لتكوين نفايات صناعة الصلب- طوّر الباحثون طريقة للتحويل الحراري المشترك لكربونات الكالسيوم (CaCO3) مع الميثان (CH4) في بيئة غنية بالميثان.
وتتيح التقنية الجديدة نهجًا مبتكرًا لتحدي إزالة الكربون من قطاع إنتاج الأسمنت مع استغلال النفايات الصناعية لتكون أداة قوية للابتكار المستدام.
خطوة مهمة
خطا خبراء صينيون خطوة مهمة جديدة نحو إزالة الكربون من واحدة من أكثر الصناعات كثافة بالانبعاثات في العالم، عبر تطوير عملية تحفيزية جديدة لديها القدرة على إحداث تحول جذري في صناعة الأسمنت.
ونجح الباحثون في معهد داليان للفيزياء الكيميائية، المعروف كذلك باسم هواوسو (Huawusuo) -وهو جزء من الأكاديمية الصينية للعلوم- في استعمال نفايات الفولاذ والميثان لخفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة تصل إلى 80%.
وقال الخبراء، إنّ تحلُّل كربونات الكالسيوم التي تمثّل قرابة 60% من إجمالي الانبعاثات الكربونية خلال تصنيع الأسمنت، قد فرضَ تحديًا صعبًا منذ نشأة تلك الصناعة الحيوية.
وعلى الرغم من مُضي قرنين على تحديث المعدّات المستعمَلة في تلك الصناعة، بدءًا من الأفران البدائية إلى أنظمة المعالجة الجافة الحديثة، فإن التركيب الكيميائي الأساس للأسمنت ظل كثيف الكربون، بسبب الحاجة إلى التحلل الحراري.
نفايات الصلب والميثان
لمواجهة المعضلة المذكورة، اقترح فريق البحث بقيادة الدكتور تشنغ جانج ليو والدكتور روي لو، وكلاهما من معهد داليان للفيزياء الكيميائية، إستراتيجيةً جديدةً تستعمل الحديد المتوافر بصورة طبيعية في المواد الخام للإسمنت لتطوير نظام تحفيزي.
وبإلهام من التركيب المعدني للمنتجات الثانوية لصناعة الفولاذ -خبث صناعة الحديد، وخبث صناعة الصلب، والغبار والطين-، صمّم الباحثون نفايات صلبة مشتقة من الصلب، وتتكون من الحديد والألمنيوم والزنك.
وعند وضعها في جو من الميثان إلى جانب كربونات الكالسيوم، حفَّز هذا النظام تفاعلًا حراريًا مشتركًا نتج عنه تحلل كربونات الكالسيوم، وإنتاج غاز اصطناعي قيم، وهو مزيج من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون المستعمَل في الطاقة والصناعات الكيميائية.
وتتّسم تلك العملية بخاصية مبتَكَرة، فالمواد التحفيزية لا تحتاج إلى إزالتها بعد التفاعل، وبدلًا من ذلك فإنه من الممكن تضمين تلك المواد مباشرةً في كلنكر الأسمنت، وهي مادة تُشكّل أساس إنتاج الأسمنت، وتتوافق مع خطوط الإنتاج الحالية، وتُقلّل من النفايات.
مسارا تفاعل
في الوقت نفسه، حددت الدراسة مسارَي تفاعل مختلفين وراء تلك العملية:
- المسار المباشر: يشتمل على الميثان الممتَص الذي يتفاعل مع رابطة الكربون –الأكسجين عند نقطة التماس بين الكالسيوم –الحديد، لينتُجَ أول أكسيد الكربون والهيدروجين.
- المسار الثاني: يشتمل على تحلُّل كربونات الكالسيوم أولًا إلى أكسيد الكالسيوم وثاني أكسيد الكربون، ثم يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الميثان النشط.
وتسهم إضافة الألمنيوم والزنك بتعزيز مساحة سطح المحفز وتوزيع مواقع أكسيد الحديد النشط؛ ما يحسّن الأداء بشكل أكبر، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
الأسمنت منخفض الكربون
تُظهر النتائج الأولية أن العملية المشار إليها تخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 80% تقريبًا، مقارنةً بتحلل كربونات الكالسيوم التقليدية؛ ما يقدّم مسارًا واعدًا لإزالة الكربون في إنتاج الأسمنت.
وإضافةً إلى ذلك، فإن تحليل دورة الحياة بيّن مكاسب بيئية واعدة إذا جرى التوسع في تلك التقنية صناعيًا.
وبينما يمثّل الأسمنت قرابة 8% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عالميًا، فإن هذا الخفض الكبير في الانبعاثات دون الحاجة إلى تحديث مصانع بالكامل، من الممكن أن يغير قواعد اللعبة في الصناعة كثيفة الانبعاثات وآفاق التوسع فيها مستقبلًا.
وقال الباحثون: "في الوقت الذي يكافح فيه العالم تحديات تغير المناخ، فإن هذا الابتكار من الممكن أن يمهّد الطريق أمام مستقبل أكثر استدامةً لصناعة الأسمنت"، في بيان صحفي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
ويعتقد الباحثون أن هذا العمل لا يواجه التحدي العاجل الخاص بإزالة الكربون من صناعة الأسمنت فحسب، بل إنه يسلّط الضوء -كذلك- على الإمكانات غير المستغلة للنفايات الصناعية بوصفها محركًا للابتكار المستدام.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر:
1.إزالة الكربون من قطاع الأسمنت من دراسة منشورة في دورية ناشونال ساينس ريفيو
