في ظل التحولات التشريعية التي عرفها المغرب عقب تقنين استعمالات القنب الهندي، تتجه الأنظار أكثر فأكثر نحو استثمار هذه النبتة في المجالات الطبية والصناعية. ومن هذا المنطلق، نظمت الجمعية المغربية لاستعمالات القنب الهندي المشروعة ندوة علمية بالدار البيضاء، شكلت منصة لبسط التحديات التي تعرقل تطوير الأدوية المشتقة من القنب الهندي واستكشاف آفاق واعدة يمكن أن تجعل من المغرب فاعلا أساسيا في سوق عالمية سريعة النمو.
في مستهل الندوة، أوضح ربيع رضوان، رئيس الجمعية المغربية لاستعمالات القنب الهندي المشروعة، أن المغرب خطا خطوة تاريخية مع إقرار قانون تقنين استعمالات القنب الهندي؛ مما فتح آفاقا واعدة لاستثماره في مجالات طبية وصناعية متعددة.
رضوان لم يُخف خيبة الأمل إزاء ما تحقق إلى حد الآن، مشيرا إلى أن النتائج تبقى دون الطموحات التي صاحبت بداية هذا المشروع الطموح.
وأرجع المتحدث هذا التأخر إلى عوامل عديدة؛ أبرزها غياب رؤية موحدة بخصوص النموذج الذي ينبغي اعتماده، حيث اختارت الجمعية المغربية أن تستلهم النموذج الإسرائيلي الناجح في تطوير الأدوية المشتقة من القنب الهندي.
وأشار رئيس الجمعية المغربية لاستعمالات القنب الهندي المشروعة إلى أن نقص التكوين والتوعية يشكلان تحديا كبيرا، خاصة في صفوف الأطباء والصيادلة الذين لا يزال العديد منهم يفتقر إلى المعرفة الكافية بمجالات استخدام القنب الهندي في العلاج. ولتدارك هذا النقص، أطلقت الجمعية مبادرة “كيف تكوين” الهادفة إلى رفع الوعي وتعزيز الخبرات المحلية في هذا المجال. كما تأسف لأن الاستفادة العملية من الاتفاقيات العلمية والطبية الموقعة مع مؤسسات دولية، مثل مستشفى شيبا الإسرائيلي، بقيت محدودة ولم تترجم بالشكل الكافي إلى واقع عملي داخل المغرب.
وأكد المتدخل على الحاجة الماسة إلى تطوير علاجات مبتكرة تعتمد على القنب الهندي، ليس فقط لتحسين صحة المرضى؛ بل أيضا لخلق فرص اقتصادية حقيقية يستفيد منها المزارعون والشركات المصنعة، مما سيعزز الاقتصاد الوطني ويدعم التنمية المحلية.
من جانبه، استعرض عبد الإله بوطالب، خبير أنظمة الصحة والكاتب العام السابق لوزارة الصحة، الإمكانات الاقتصادية الهائلة لسوق القنب الهندي، مشيرا إلى أن حجم هذا السوق قد يصل إلى خمسين مليار دولار بحلول عام 2028.
وحسب بوطالب، فإن المغرب يطمح إلى الحصول على حصة تتراوح بين 10 في المائة و15 في المائة من السوق الأوروبية، بما قد يدر عليه عائدات تتراوح بين 400 و600 مليون يورو سنويا بحلول التاريخ نفسه.
وحذر الخبير من عدد من التحديات؛ منها ارتفاع تكاليف الإنتاج مقارنة بدول أوروبا التي تعتمد على الزراعة في البيوت المحمية، مشيرا إلى أن موجات الحر الشديدة في صيف 2023 تسببت في خسائر زراعية كبيرة. وعلى الرغم من منح تراخيص زراعة القنب الهندي، فإن بوطالب أشار إلى أن حوالي 400 ألف شخص ما زالوا يعتمدون على الزراعة غير المشروعة، بينما لم يحصل سوى 3 آلاف و300 مزارع فقط على التراخيص القانونية؛ مما يطرح تحديات إضافية تتعلق بإدماج المنتجين التقليديين في المنظومة القانونية.
وأبرز الكاتب العام السابق لوزارة الصحة أن تنظيم الزراعة القانونية سيُسهم في حماية البيئة عبر القضاء على آثار الزراعة الأحادية غير المشروعة، التي أدت إلى إزالة الغابات وتلويث المياه الجوفية، موضحا أن القانون الجديد يفرض قواعد صارمة فيما يخص استخدام المبيدات وتعزيز الممارسات المستدامة.
وشدد المتدخل ذاته على أن نجاح المغرب في هذا المجال سيعتمد على تحسين تقنيات الاستخلاص لتتماشى مع المعايير الدولية، وضمان اندماج المنتجين الصغار في منطقة الريف، إضافة إلى خفض تكاليف الإنتاج وتأمين منافذ تصدير مستقرة نحو الأسواق الأوروبية.
واعتبر بوطالب أن الصادرات الأولى نحو سويسرا في 2024 ومشاريع الأدوية المرتقبة تمثل بداية التحول المنشود، وإن كان من السابق لأوانه الحكم النهائي على مدى نجاحه.
أما يونس قديل، المختص في علم الأدوية، فقد ركز مداخلته على أهمية البحث العلمي في تطوير الأدوية القائمة على القنب الهندي.
وأوضح قديل أن العملية تبدأ بتحديد وعزل المكونات النشطة مثل THC وCBD، يليها تقييم الفعالية والسلامة عبر النماذج التجريبية، ثم المرور إلى التجارب السريرية الصارمة التي تسمح بالتحقق العلمي من التأثيرات العلاجية.
وشدد المختص في علم الأدوية على ضرورة توحيد الصيغ والجرعات لضمان جودة المنتج، مع ضرورة دعم عملية التقنين بأدلة علمية موثوقة تعزز مصداقية المشروع وتؤطره ضمن معايير الابتكار العلاجي وأخلاقيات البحث العلمي.
وقد أجمع المشاركون في الندوة على أن النهوض بصناعة الأدوية المشتقة من القنب الهندي في المغرب يتطلب إرادة سياسية قوية، وانخراطا واسعا من الفاعلين العموميين والخواص، إلى جانب الاستثمار الجاد في البحث العلمي وتكوين الكفاءات.
وخلصت التوصيات إلى ضرورة تسريع وتيرة الإصلاحات، وتطوير آليات إدماج المزارعين، مع بناء شراكات علمية دولية حقيقية تضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال الحيوي.